آخر الأخبار

أضف النص الخاص بالعنوان هنا

المغرب واحتمالية حرب عالمية ثالثة؟

المغرب واحتمالية حرب عالمية ثالثة؟

عبد اللطيف سرحان - الجديدة

نبيلة بنجدية

في عالم مضطرب تتداخل فيه الجغرافيا بالمصالح، وتتصارع فيه القوى الكبرى على النفوذ والهيمنة، بات سؤال الحرب العالمية الثالثة يخرج من خانة الخيال السياسي ليتحول إلى هاجس حقيقي، خصوصا في أذهان الجيل الجديد الذي يتابع، بقلق ونضج لافت، تفاصيل المشهد العالمي.

في جلسة عائلية بسيطة، أثارني نقاش بين ابني، البالغ من العمر 13 سنة، وصديقه، وهما يتحدثان بجدية عن احتمالية اندلاع حرب عالمية ثالثة.

كانت أسئلتهم عميقة وصادقة: من سيكون ضد من؟
وأين سنقف نحن كمغاربة؟ وهل يمكن أن نكون في صف الظالم أو الخاسر؟ وكيف سيكون مستقبلنا؟

في تلك اللحظة، شعرت أن الوقت قد حان ليتحدث عقلاء الوطن والمحللون بصوت واضح، يقرب الرؤية للأجيال الصاعدة، ويوضح لهم أين نحن من كل هذا.

العالم، كما هو واضح اليوم، يعيش على وقع ثلاث جبهات كبرى، قد تكون الشرارات الأولى لأي صدام عالمي واسع:

أولا: الغرب ضد روسيا.
منذ اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير 2022، والعالم يشهد صراعا مفتوحا بين روسيا من جهة، والغرب بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة أخرى.
وهي حرب جيوسياسية بأبعاد تتجاوز أوكرانيا، تحمل رسائل سيادية ومصيرية، وقد تتطور في حال تورط مباشر لدول كبرى.

ثانيا: أمريكا ضد الصين.
على الرغم من أن الصراع هنا يبدو اقتصاديا وتقنيا، فإن المسألة تتعلق بملف تايوان، الذي تعتبره الصين جزءا لا يتجزأ من أراضيها، بينما تدعمه واشنطن بشكل غير مباشر. كل طرف يتهيأ للأسوأ، لكن الجميع يعرف أن أي حرب مباشرة ستكون مدمرة للجميع، اقتصاديا وسياسيا.

ثالثاً: الكيان الإسرائيلي ضد إيران وحلف المقاومة
.
هنا تكمن أخطر الجبهات. فبعد العدوان المستمر على غزة، بات واضحا أن الكيان الإسرائيلي فقد الكثير من شرعيته الأخلاقية، حتى في أعين أقرب حلفائه.
الخطر في هذه الجبهة لا يكمن فقط في احتمالية المواجهة العسكرية، بل في كونها قد تشعل فتيل حرب إقليمية تتسع لتشمل قوى كبرى.

هل هذا يعني أننا نعيش مقدمات حرب عالمية ثالثة؟
الإجابة الأقرب إلى الواقع هي أن العالم يمر بمرحلة توتر خطيرة، لكن الحرب الشاملة ليست وشيكة بعد.

والسبب الرئيسي هو ما يعرف بـ”الردع النووي”. فالدول الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، الصين) تمتلك من الأسلحة النووية ما يكفي لتدمير الأرض أكثر من مرة، ما يجعل الحرب الشاملة خيارا أقرب للانتحار الجماعي.

ولهذا، تتجه القوى الكبرى نحو ما يسمى “الحرب غير المباشرة”: عقوبات اقتصادية، دعم لحلفاء، تجسس إلكتروني، وحروب إعلامية.

لكن الخطر قائم. فكلما طال أمد التوتر، زادت احتمالية الانفجار، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل اليوم ساحة لاختبارات كبرى.

وفي خضم هذا المشهد المعقد، يحق لنا أن نتساءل: أين هو المغرب وسط هذه الصراعات؟

المغرب ليس قوة عظمى، لكنه دولة ذات موقع استراتيجي مهم بين أوروبا وأفريقيا، ويحسب له توازنه الدبلوماسي خلال العقود الأخيرة.


لقد حرصت الرباط على أن تكون علاقتها متوازنة مع مختلف القوى:
هي شريك اقتصادي وأمني للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتحافظ على علاقات مع الصين وروسيا بحذر وذكاء.

ورغم توقيعها على اتفاق “التطبيع” مع الكيان الإسرائيلي عام 2020، لكن هذا القرار جاء في سياق صفقة سياسية أوسع، حصل بموجبها المغرب على اعتراف أمريكي بسيادته على الصحراء المغربية.

لكن الزمن تغير.
فبعد المجازر التي ارتكبها الاحتلال في غزة، صارت قطاعات واسعة من الشعب المغربي، من سياسيين ومثقفين وشباب، تعارض استمرار هذا المسار، هناك اليوم نقاش داخلي حقيقي حول مستقبل هذه العلاقة،

وفي ظل تصاعد الوعي الشعبي ونضج الأجيال الجديدة التي ترفض المساومة على القيم.
إذن، من الخطأ الاعتقاد أن المغرب “اختار حليفه النهائي”. بل هو يحاول، رغم التحديات، أن يموقع نفسه ضمن الدول المستقلة، التي تبحث عن مصالحها دون أن تكون أداة في يد هذا المعسكر أو ذاك.

لكن، هل يمكن فعلا أن نجد أنفسنا في صف ظالم أو خاسر؟
الإجابة المؤلمة في اعتقادي هي نعم، للأسف ممكن.
السياسة الدولية مليئة بالمفارقات، وأحيانا تجبر الدول على اختيارات صعبة دفاعا عن أمنها أو مصالحها القومية.

لكن الشعوب الواعية تملك قوة تصحيح المسار. الضغط الشعبي، والوعي الجماعي، والجيل الجديد من أمثال ابني وصديقه، يجعل من الصعب أن تفرض تحالفات لا تليق بكرامة الشعب.

نحن نعلم أنه حتى لو اندلع صراع عالمي، فإن المغرب غالبا لن يكون طرفا مباشرا فيه. لكن التأثيرات ستصلنا لا محالة:

-اقتصاديا عبر ارتفاع الأسعار وصعوبات في التوريد.
-اجتماعيا عبر احتجاجات وتوترات داخلية.
-سياسيا عبر تعقيد العلاقات مع الحلفاء والتوازنات الإقليمية.

في النهاية، السؤال الذي يطرحه هذا الجيل بصدق هو: ماذا يجب علينا أن نفعل؟

أعتقد أن الحل لا يكمن في الخوف، بل في الفهم والاستعداد.
أن نتعلم كيف نقرأ الأخبار بعين ناقدة، لا نكتفي بالظاهر.
أن نؤمن بأن العالم لا يدار بالعواطف فقط، بل بالمصالح، لكن من دون أن نتخلى عن المبادئ.
أن نبني أنفسنا كعقول قوية، تفكر وتبادر وتغير، بدل الاكتفاء بالانتقاد أو الاستسلام.

علينا اليوم أن نعلم أبناءنا أن الأوطان لا تبنى بالخوف، ولا بالانحياز الأعمى، بل بالحكمة، والاستقلال، والكرامة.

إذا كنا نؤمن بالعدل، ونرفض الظلم، ونحلم بمستقبل سلمي وعادل، فنحن بالفعل على الطريق الصحيح.

لكن هذا الطريق يحتاج إلى فهم عميق، صبر طويل، ووعي لا ينام.

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *