رجل قد نختلف معه أو نتفق حول خلفيته السياسية ، لكن على أرض الواقع يبقى نورالدين قربال نموذجا للفاعل السياسي الديناميكي ، المنفتح على الجميع مشرعا باب قلبه وعقله لاحتضان كل ما يصب في صالح الإنسان والبلاد ، رجل يعشق الثقافة يعشق النقاش يعشق الكتاب يعشق الإبداع عاشق لآفاق الابتهاج والتنوير ، مهووس بقضايا المجتمع وقضايا التراب .
تذكرت الرجل وأنا أتفحص برامج الرمضانيات التي تنظمها المقاطعات البيضاوية ، ووجدتها في المجمل أكثر انغلاقا من برامج رمضانيات الولاية الفارطة ، حينما كانت المقاطعات في أيادي حزب ذي مرجعية إسلامية ، برامج مملة مونوطونية لا ابتكار فيها ولا إبداع ، قشاشيب وطرابيش تتراقص هنا وهناك ورؤساء “مبندون” أخطأوا أماكن الخشوع الصوفي ورموا بجثتهم على كراسي المقدمة ، في جلسات شبه بلهاء ، يتفرجون على لبس لم يعرفوا فك شيفرته ، هل هم امام لون فني أم ذكر صوفي واختلطت في امزجتهم التصنيفات ، وكل عزائهم لتبرير الفرجة غير المصنفة اننا وجدنا الآخرين يقومون بهذا فسطرناه مثلهم ، والله المعين وكفى الله المومنين شر القتال ، أحزاب ليبرالية اليوم تحكم قبضتها على المدينة ، تعوم في برامج رمضانية تقود للأسفل ليس إلا ، ما يظهر ان الأحزاب الأربعة تفتقد لمشروع ثقافي وإبداعي ، فاتكلت على ما خلفه الآخرون في خجل فاضح .
نورالدين قربال وهنا المفارقة لوحده غرد بعيدا في الآفاق الرحبة ، وهو يقود مقاطعة الصخور السوداء ، فقد حولها إلى صالون ثقافي وفكري طيلة المدة التي مر منها من هناك فقد ظل مقرها وجهة للأساتذة الباحثين في شتى المجالات والعلوم ، وحضنا لأنشطة العمل الجمعوي الجاد ، وبلاطو مفتوحا لاستقبال الندوات والمناظرات ، بل هو كان يشارك في هذه النقاشات المطروحة في تلك الندوات والملتقيات ، إلى حد ما ظلت المقاطعة هي فجوة أهل المعرفة في هذه المدينة السوداء التي زادها تجار الإسمنت قتامة ، وهم يجلسون في بعض كراسي تدبيرها ، فعلا استطاع قربال بانخراطه في أوراش المعرفة بصفة عامة ، أن يعكس قيمة مقاطعته في مخيلتنا وان يؤكد الصورة التي نختزنها في أذهاننا عن هذه المنطقة ، الهادئة الحاضنة للطبقة المتوسطة والمتزاوجة مع منطقة الحي المحمدي الخلاقة ، خلال الرمضانيات كنت تجده لا ينسى الجوانب الأخرى لكن يصر على أن يحضر الفكر والتفكر والنقاش في شتى المجالات بدون تعصب وبدون شوفينية أو حسابات مراهقاتية متصابية ، رجل يقرأ بنهم وأعتقد ان هذا ما ساعده على تكوين تلك الشخصية الحاتمية العطاء والتفاعل ، المتسامحة اللبقة التي تنهل من وقار الكبار .
إن كان من توثيق لما قدمه رؤساء المقاطعات ، على الجميع ان يعلم بأن هذا الرجل هو من دشن لأول مهرجان للأغنية الغيوانية على صعيد الدارالبيضاء بشكل رسمي ، بدون مقدمات بدون كثير تفكير بدون اي نقاش عقيم ارتمى في تنظيمه لنه مقتنع في دواخله ، بأن هذه الأغنية هي من صميم هوية هذه المدينة ، فلامساومة ولا أرضية قبلية في ” بحر الغيوان ما دخلتو بلعاني ” .
في كل رمضان كنت أزور هذه المقاطعة للإطلاع على ما تجود به ساحتنا الثقافية ، لأجد المفاجآت منها الانفتاح على الثقافة الإفريقية وثقافات شعوب أخرى ومواضيع تهم قضايانا الوطنية ، لذلك هذا الرجل وحده استطاع أن يخلق الفارق بين ولاية “محافظة” وولاية لا تفهم على أي خليط رست قواعدها .