
كان الفتى عبد الكريم، كما أشرنا، ملتصقا –دائما- بجلاليب أفراد الـﮕور.
ويحكي أن سكان القصبة، كانوا ينظمون طقوس النزاهة، بجنانات أكدال، يشرف على تدبير أمورها مقدم الـﮕور بمساعدة مجموعته، يتم خلالها شراء عجل بالمبالغ التي سبق تجميعها من أهل الحومة، يُذْبَحُ وَيأْكُلُ منه جميع رجال الحومة طيلة أيام النزاهة، كما يتم اقتناء لوازم الطبخ وأدوات النزاهة عموما.
من الطقوس السائدة ليلة عاشوراء داخل الحومة، لعبة “لمشايشة”، فقبل أن ينطلق الكور بأهازيجه يجوب الحيَّ، يقام طقسُ “لمشايشة”، وهو عبارة عن مبارزة بين شابين يتم فيها استعراض القوة البدنية من خلال المبارزة بالأرجل فقط، دون استعمال اليدين، والهدف هو إسقاط الخصم من رجليه بواسطة ما يعرف في العامية ب “المقلاع” عند أهل مراكش أو “ضربو بالنص”، كما يعرف في عموم المدن المغربية.
كان هذا الاستعراض يتم قبل انطلاق الكور بساعات، يشارك فيه صبية في مقتبل العمر، في انتظار المبارزة الكبرى بين أحسن “مشايشية” في الحي، وغالبا ما يكونون من فُتُواتِ المنطقة، حتى أن هناك بيتا شعريا وسط العيط الذي يؤديه أصحاب الدقة يوحي بالافتخار بفتوة الحي ، يقول : “ابن جعفر سلطان .. جايب الصولة لولاد حومتو “.
يذكر عبد الكريم القسبجي من بينهم في تلك الحقبة سي محمد السرغيني الملقب ب”مومو”، الفنان المغربي والممثل المعروف والمنتج السينمائي، الذي اشتغل في عدة أفلام عالمية كبرى ضمنها فيلم الرسالة، ثم سي محمد السي، الذي كان من فُتُوَاتِ مراكش، وكانت له مقهى صغيرة بالقصبة اعتبرت مَجْمَعًا لكل رجال الحي. من هذه الأجواء والطقوس، كان يرتوي عبد الكريم، الذي سيصبح من زوار النزاهة، التي كانت محرمة على النساء والأطفال الذين لايصطحبهم أحد أوليائهم.
يروي عبد الكريم أن سكان القصبة، كانوا يقيمون النزاهة، كما سلف الذكر، بجنانات أكدال∗. ومن مكر الصدف أن المنطقة تحديدا، كان يطلق عليها اسم الدار البيضاء∗، وكانت تتوسطها ساقية كبيرة. والدار البيضاء، المدينة، فيما بعد هي التي ستجعل من عبد الكريم نجما داخل جيل جيلالة أيام النزاهة التي تدوم على الأقل خمسة عشر يوما.
كانت فرصة مهمة للكشف عن المواهب المكنونة عند الشباب. تتخلل هذه الأيام عدة ألعاب وتسليات، بما فيها نظم الزجل والشعر و”الملاججة” الكلامية المؤثثة بالبسط والتنكيت، بالإضافة إلى الغناء والموسيقى.
طيلة النهار تتوزع جماعات هنا وهناك، منهم من ينخرط في ممارسة لعبة “مالة”، منهم من يسبح في عالم الورق “كارطة”، بالإضافة إلى “ضامة”. كل هذا كان يتم ضمن استعراض فرجوي يضم ما يعرف ب”لمخاطرة” و”لمزايدة”، لخلق جو من التنافس.
كان هناك أيضا من يمارس المصارعة الخفيفة، وألعابا رياضية أخرى. بعد وجبة الغذاء والقيلولة تُسْتَأْنَفُ هذه العروض المتنوعة إلى غاية فترة “لعكبية”، أي العصرونية. ومباشرة بعد تناول الوجبة، تنطلق الألعاب والأهازيج والأغاني من فن الطقيطقات والملحون والهواري وغيرها، تؤدى صلاة المغرب جماعة، ويستأنف الغناء من جديد.
وبعد صلاة العشاء يتفرق المتنزهون، لأن معظم الحاضرين ينتظرهم عمل في الصباح، ولا يمكث منهم إلا المكلفون بالتنظيم، علما بأنه في تلك الفترة لم تكن الإنارة شائعة كما هي عليه الآن.
مقاطع من عيط الدقة:
شوف الــدقة بصوتها مـــع الليل غابو ناسها ما حضره شي لها
واللي فزعي ولا يعرف يـــدوي لله واش جابه لينا لهنايا
نوضو نوضو وعليه ما نــوضو وهنا كايمنوأعشيري برزانا
الغــــــزواني جيـــــت نـــــزور يا مول لقصور
النـــــزاهة وقــــــت النــــــــوار في احريلي واحريلي
ابــــــــن جعفــــــــر سلطــــــان جايب الصولة لولاد حومته
الجامـــــــــــور إيبــــــــــــــــان والسقايا قدام قبته
داك الخيلـــــــــي داك لصفـــــر يا لاه أوا لوهامنا
تما نشـــــــــربـــه كيسانـــــــــا كيسان الورد مع الزهر
خويا خــــويا وعطه دريهمـــــه ليشييير الصغييير
خـــــويا خـــــويا دلا اكبايلــــــه مجدول لحرير