
قبل الغوص في الدرر الذي تقدم به دارسون لهذا اللون الفني الجميل، نعود مع الفنان الكبير لمجموعة جيل جيلالة عبد الكريم القسبيجي إلى دروب مراكش، من خلال سيرته الذاتية التي يوثق فيها بعين الطفل والفنان طقوس الدقة وترتيباتها وأجوائها وارتباطها بالنزاهة وأكثر من هذا وذاك، كيف كانت تشكل سمعة للأحياء ، ولع عبد الكريم الطفل بالفنون المؤثثة لحومته القصبة كان يزداد يوما بعد يوم داخل هذه الأجواء، لدرجة أن الأنغام أضحت تسكنه.
مرة طلب منه والده سي محمد وهو يستعد لفتح دكانه المعد للخياطة، أن يأتيه ب “الحريرة ” من محل متخصص في إعدادها، وأن يمر عبر الساقية، ساقية المياه، لملء قدر من الماء بهدف رشه أمام المحل، كما جرت العادة عند مختلف الحرفيين أصحاب الورشات والتجار.
غادر عبد الكريم المحل، حيث كان قد حضر معه باكرا ليساعده في العمل، قصد بائع الحريرة، ظل الوالد ينتظر الفطور والماء، ولما تأخر الصبي كثيرا، ترك من يحرس المحل وخرج يقتفي أثر ابنه، وهو يأمل ألا يكون قد أصابه مكروه.
فجأة أصيب بالذهول، وهو يعاين صغيره حاملا تعريجة، وينقر الإيقاع مع محترفين ضمن ما يعرف ب”تاراكت” ، وهم مجموعة من محترفي الإيقاعات يؤدون مقاطع من التقيتقات والأهازيج ويجوبون السوق رفقة أهل عريسين.
صدم الأب وهو يرى ابنه ينشد وينقر الإيقاع وسط رجال كبار، قصده وأشبعه ضربا، لكن عبد الكريم تمكن من الهرب، و ظل مختفيا عن الأنظار طيلة اليوم، صابرا على خواء معدته، لأنه يعرف أن العودة إلى المنزل تعني عقوبة شديدة لن يتحملها.
ظل عبد الكريم يتسكع إلى أن أرخى الليل سدوله، وحين أدرك أن والده نام، قصد والدته كي تفتح له الباب، لكن عليه أن يستيقظ صباحا قبل الأب، ليقصد المدرسة دون تناول الفطور ليكمل النوم على الطاولة.
تعليقا على هذه الطرفة، قال عبد الكريم: “لم أكن أشعر بنفسي وأنا أسمع النغمات والإيقاعات، كانت تشدني، وأجدني منجذبا نحوها، لذا لم أكن أقدر العواقب في حضرتها”.
ما بين المنزلين، منزل الوالد سي محمد والعم الحاج العربي، في فضاء الحومة داخل القصبة كانت الأنغام هي المؤثث الأساسي للأجواء، اللعب داخل الحومة أو التجوال في أرجائها، لم يكن بعيدا عن الموسيقى والإيقاعات، الفتى قدر له أن يسبح في هذا العالم، عالم يقول عبد الكريم: “يجعلك في حوار دائم مع البدن والروح، من خلال إيقاعات تدفع جسمك إلى التحرر والتجاوب مع الميزان، وترانيم صوفية قوامها الفن العيساوي والكناوي، النافث للتوازن الذي تحتاجه الروح.
كل حومة عتيقة في مراكش، في تلك الحقبة، كان لها رجالها المحترفون في مختلف الألوان والفنون التراثية المغربية، يضبطون الإيقاعات، ويحفظون المقاطع وأهازيج الأسلاف، ويضيفون إليها ما اجتهدوا فيه مسايرة للزمن الذي يعيشون فيه.
مقاطع من عيط الدقة:
باش نبـــداو بأسمـــــاء الــــرحمــان وبأسماء العالي
الصــــلاة على زيـــــــن الــــــزيــن طـــه وياسيـــن
الصلاة والسلام على سيد ما عـز الله أسيدي به قلبي مشروح
الشفاعة يا سيد المرسليــــــن يا نبينا أسيدي يا الشافع فينا
المصطفـــــــى تـــــــاج النـــــــــور حرمت جد الحسنين لا تفرط فينا أسيـــــدي غيـــر جـــــود اعلينا
اصحـــــــــابـــــــــي دارو بيــــــــــا فكــــــل اعشيا
أهل الـــــزاوية جيــــــت انـــــــزور نلقى حرش العنين في باب رياضو أسعــــــدي تايعــــــرض اســــــوارو
الولي مــــــول الـــــــدليــــل حرمة سيدي مسعود لا تفرط فينا
الولي سيـــــــدي أيـــــــوب عار الجار على الجار لا تدزني يا جاري
الولي يـــــــــا بنصالــــــح حرمت للا نجمة يا السكراتية
الولي مـــولاي علي الشريـــف حرمت القاضي عياض لا تفرط فينا
الـــــولي سيــــــدي منصـــــــور حرمت مولاي اليزيد لا تفرط فينا
الــــــولي سيــــــدي ميمــــــــون حرمت الإمام السهيلي لا تفرط فينا
الـــــــولي سيــــــدي يعقــــــوب حرمت للا ميمونة لا تفرط فينا
المكطــــــــع فـــي واد سبـــــــو عاودو لي كيف اجرى يا المحاربين
السي مـــــــــو ولــــــــد أمـــــو برم الطارة يا العشير غرب الليل
للاه سالها يا العشيـر أمالها عليا أهيا واجب اللي صيفتوني
الشبـــان راه العــــــام ازيـــــان نمشيوا للنزاهة ونكيمو فبساط