آخر الأخبار

أضف النص الخاص بالعنوان هنا

على هامش الجدل حول تصريحات العلامة الريسوني

على هامش الجدل حول تصريحات العلامة الريسوني

عبد اللطيف سرحان - الجديدة

ذ. ابراهيم بوغضن

قضايا الانتماء والوحدة والتجزئة والحوار لدى الإسلاميين

1/4

ترددت كثيرا في أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع الذي أسال كثيرا من الجدل والمداد غير أن ثلاثة أسباب جعلتني أخط هذه المقالة: أولا: ردود الأفعال– باستثناء قلة منها- تجاوزت في نظري على الأقل ما هو مسموح به سواء بالمعايير الشرعية أو بالمعايير الأخلاقية الإنسانية. ثانيا: ردود الفعل العنيفة جاءت من أطراف إسلامية بعضها قيادات لتنظيمات حركية وحزبية (الأستاذ ابوجرة سلطاني و الدكتور عبد الرزاق المقري من الجزائر مثالا ..) ثالثا : هؤلاء تجمعهم – أو هذا هو المفروض- نفس المرجعية بالشيخ الدكتور الريسوني، و هم إما مسؤولون أو أعضاء معه في مؤسسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

ولا يعنيني أن أناقش الشيخ الفاضل احمد الريسوني في ما ورد من مواقف في مقابلته مع موقع بلانكا بريس التي قد أتفق معه في جزء منها وأختلف معه في جزء آخر ، بقدر ما يهمني أن أنبه إلى الأبعاد التي ستكون لهذه الحملة الموجهة ضده بهذا الشكل ليس على علاقة الدول فيما بينها فهذا مستبعد جدا، ولكن على مجمل الحالة الإسلامية في العالم أجمع، والمخوف منه أن تمتد – دون مبالغة – لسنوات إن لم يكن لعقود لكونها تمس البنية الفكرية والعلائقية لنخبة الإسلاميين.


لا أخفي أنني تفاجأت بحجم الحملة ضد العلامة الريسوني، و تأثرت بها شخصيا من الناحية النفسية، وعززت لدي فكرة تتبلور في ذهني منذ عدة سنوات وهي أن ما سمي بالصحوة الإسلامية خلال الخمسين سنة الماضية قد تكون أكملت دورتها الحياتية، وأن السنوات المقبلة ستكون سنوات انحسار إن لم تكن سنوات تلاشي نهائي لها بصيغتها الحالية في أفق أن يتحقق وعد الله بالتمكين لجيل آخر تتوفر فيه شروط الاستخلاف القرآنية مصداقا لما وعد به الرسول صلى الله عليهم بأن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل سنة من يجدد لها دينها. ربما يكون هذا الكلام قاسيا وقد لا يعجب البعض . ليكن ذلك. فمن الأفضل أن يقال علنا بدلا من أن يتهامس به سرا من طرف العديد من المحسوبين على الحركة الإسلامية، قيادات وقواعد.

هل من الصواب أن يرد هؤلاء و اؤلئك على الدكتور الريسوني باعتبار رمزيته العلمية والدعوية؟

ما تعلمناه في ديننا الإسلامي أن ليس هناك شخص معصوم، حتى الأنبياء رضوان الله عليهم معصومون فيما يوحي إليهم فيه فقط، وأن الإمام مالك رضي الله عنه قال : كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر مشيرا بيده إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. و هذه الحملة العنيفة تعرض لمثلها أو أكثر منها العلماء الكبار عبر التاريخ الإسلامي لأمرين اثنين: الأمر الأول: جرأتهم في إبداء آرائهم دينيا وسياسيا في الأحداث والوقائع التي عاصروها. ثانيا: عدم تملقهم لا لحكام عصرهم من جهة ولا للجماهير الغفيرة وسطوتها من جهة أخرى، ومع ذلك بقي هؤلاء رموزا للعلم والفقه، ومراجع في الفتوى والاستدلال، أكتفي بأن أذكر هنا شيخ الإسلام ابن تيمية الذي –رغم ما عاناه من إزراء في حياته – فقد انتشر فكره في العصر الحديث حتى قال أحد الغربيين بأن ابن تيمية يحكم العالم الإسلامي اليوم.

والدكتور الريسوني يتميز – من بين ما يتميز به- بالجرأة في الإفصاح عما يقتنع به من آراء عكس الكثيرين الذين يحسبون ألف حساب قبل القيام بذلك.يكفي أن نذكر هنا موقفه الجريء الرافض لقضية التطبيع الرسمي المغربي مع دولة الاحتلال الصهيوني، وكذلك فتواه الشهيرة بتأييد ثورات ما سمي بالربيع العربي سنة 2011 قبل أن يتحول إلى خريف قاحط بل إلى جحيم قاتل . وهذا المثال يكفي لنسف ما وصف به د.عبد الرزاق المقري (المشتغل بالفكر الحضاري ويا للعجب) العلامة الريسوني بأنه “فقيه المخزن”، وكأن الريسوني قبل أن يستضاف في البرنامج التلفزيوني جلس مع ممثلي “المخزن” ليلقنوه ما يجب عليه أن يقوله ويتفوه به . لعمري إن هذا الاتهام وغيره لهو سقوط أخلاقي لأصحابه ما بعده سقوط، ما يجعل المرء يتساءل بحسرة: هل يرجى خير من حركة إسلامية يقوم على رأسها أمثال هؤلاء ؟.وهذه الجرأة من عالم ضليع، مشهود له بالكفاءة العلمية، والدعوة لدين الله مع التواضع الجم، والخلق الرضي، هي التي تحرك الفكر، و تثير الذهن، وتستفز الإعجاب والإنكار، وتنضج المقولات، بغض النظر عن خطئها أو صحتها. لذلك ما أدلى به الريسوني ليس قرآنا منزلا معصوما ، وليس فتوى شرعية لها صفة الإلزام الأخلاقي في الحد الأدنى، وليس قرارات من مسؤول تنفيذي واجبة النفاذ. هو في أفضل الحالات آراء شخصية لعالم في مسائل سئل عنها عرضا في وسيلة إعلامية سيارة، لها مالها وعليها ما عليها. ومن حق أي كان أن ينتقدها و يرفضها، أو يتفق معها ويتبناها، لكن مع حفظ المقامات، وحفظ حقوق الاخوة الإسلامية، ومراعاة آداب الإسلام في الجدل والحوار والتعقيب. هل كان على الريسوني أن يراعي السياق والظروف والمآلات؟ في نظري ونظر آخرين نعم.كان من المستحسن أن يتمثل واجب التحفظ باعتبار منصبه كرئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. لكن – في المقابل – متى ستتغير الظروف والسياقات كي يقول مثل هذا الكلام وغيره؟ وإذا لم تتغير إلى أن يموت فهل عليه أن يموت وتدفن معه آراؤه في قضايا تتعلق بالتاريخ ( العلاقة مع موريطانيا) وبالوحدة الوطنية لدولة مسلمة ( الصحراء المغربية).علما أن تيندوف الجزائرية أوردها في تصريحه حسب بيانه التوضيحي لأن جبهة البوليزاريو الانفصالية المقاتلة تقيم بها، ولم يقصد الجهاد القتالي لتحريرها. و هذا التوضيح يكفي في نظري لطي الموضوع لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *